2- فضول النظر: هو إطلاقه بالنظر إلى الشيء بملء العين، والنظر إلى ما لا يحل النظر إليه وهو على العكس من غض البصر.
والغض: هو النقص وقد أمر الله عز وجل به فقال: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [1].
وعن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبي: «كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا فهو مدرك ذلك لا محالة، العينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرِجْل زناها الخطى، والقلب يهوى ويتمنى ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه» [2].
وعن جرير رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلي الله عليه وسلم: عن نظر الفجأة فقال: «اصرف بصرك» [3].
وفضول النظر يدعو إلى الاستحسان، ووقوع صور المنظور في قلب الناظر، فيحدث أنواعًا من الفساد في قلب العبد منها:
1- أن النظرة سهم مسموم من سهام إبليس، فمن غضّ بصره لله أورثه حلاوة يجدها في قلبه إلى يوم يلقاه.
2- ومنها: دخول الشيطان مع النظرة، فإنه ينفذ معها أسرع من نفوذ الهواء في المكان الخالي، ليزين صورة المنظور، ويجعلها صنمًا يعكف عليه القلبُ، ثم يعده ويمنيه، ويوقد على القلب نار الشهوات ويلقى حطب المعاصي التي لم يكن يتوصل إليها بدون تلك الصورة.
3- ومنها: أنه يشغل القلب، وينسيه مصالحه، ويحول بينه وبينها، فينفرط عليه أمره، ويقع في اتباع الهوى والغفلة.
قال الله تعالى: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [4]. وإطلاق البصر يوجب هذه الأمور الثلاثة:
وقال أطباء القلوب: بين العين والقلب منفذ وطريق، فإذا خربت العين وفسدت خرب القلب وفسد وصار كالمزبلة التي هي محل النجاسات والقاذورات والأوساخ، فلا يصلح لسكن معرفة الله ومحبته، والإنابة إليه، والأنس به، والسرور بقربه، وإنما يسكن فيه أضداد ذلك.
وإطلاق البصر معصية لله عز وجل لقوله تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [5].
وما سعد من سعد في الدنيا إلا بامتثال أمر الله، ولا نجاة للعبد في الآخرة إلا بامتثال أوامر الله عز وجلَ.
وإطلاق البصر كذلك يُلبس القلب ظلمة، كما أن غضّ البصر لله عزّ وجلَ يُلبسه نورًا.
وقد ذكر الله عزّ وجل آية النور: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فيهَا مِصبَاحٌ} [6]. بعد قوله عز وجل: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ.....} [7].
وإذا استنار القلب، أقبلت وفود الخيرات إليه من كل ناحية، كما أنه إذا أظلم، أقبلت سحائب البلاء والشر عليه من كل مكان.
وإطلاق البصر كذلك يعمى القلب عن التمييز بين الحق والباطل، والسنة والبدعة، وغضهُ لله عزّ وجل يورثه فراسة صادقة يميز بها.
قال أحد الصالحين: من عمّر ظاهره باتباع السنة، وباطنه بدوام المراقبة، وغض بصره عن المحارم، وكفّ نفسه عن الشبهات، واغتذى بالحلال لم تخطئ له فراسة.
والجزاء من جنس العمل، فمن غضّ بصره عن محارم الله أطلق الله نور بصيرته.
----------------
[1] النور: الآية: (30 وجزء من 31).
[2] رواه البخاري (10/ 26) الاستئذان، ومسلم (16/ 205، 206) القدر، وأبو داود (2139)، النكاح، وأحمد (2/ 276).
[3] رواه مسلم (14/ 139) الأدب، والترمذي (10/ 229) الأدب، والدارمي (2/ 228) الاستئذان، وأحمد (4/ 358، 361).
ومعنى نظر الفجأة: أن يقع بصره على الأجنبية من غير قصد فلا إثم عليه في أول ذلك ويجب عليه أن يصرف بصره في الحال، فإن صرف في الحال فلا إثم عليه وإن استدام النظر أثم لهذا الحديث فإن رسول الله صلي الله عليه وسلم أمره بصرف بصره مع قوله تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} شرح النووي على صحيح مسلم هامش (14/ 139).
[4] الكهف: (من الآية: 28).
[5] النور: (الآية: 30).
[6] النور: (من الآية: 35).
[7] النور: (من الآية: 30).
الكاتب: د: أحمد فريد.
المصدر: موقع رسالة الإسلام.